موضوع: كتاب تفسير سفر راعوث لخادم الرب وليم كيلي الأربعاء أبريل 22, 2009 3:53 pm
«حدث في أيام حكم القضاة أنهُ صار جوع في الأرض، فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب في بلاد موآب هو وامرأتهُ وابناه. واسم الرجل أليمالك، واسم امرأتهِ نُعمي وأسماء ابنيهِ محلون وكليون. افراتيون من بيت لحم يهوذا فأتوا إلى بلاد موآب وكانوا هناك، ومات أليمالك رجل نعمي وبقيت هي وابناها، فأخذا لهما امرأتين موآبيتين اسم إحداهما عُرفة واسم الأخرى راعوث، وأقاما هناك نحو عشر سنين ثم ماتا كلاهما محلون وكليون فتُركَت المرأَة من ابنيها ومن رجلها» (قضاة 1:1-5)
إن الحوادث المذكورة في هذا السفر قد حدثت في أيام القضاة المارّ تاريخهم، ومن حيث أننا لا نقدر أن ندرج كلام السفر كلهُ في هذا الشرح لأسباب سبق إيضاحها ننبه القارئ إذاً عَلَى أن يطالع هذه القصة الجميلة في محلها، وهنا نقدم عليها بعض ملاحظات فنقول: إن حالة هذه العائلة الإسرائيلية توضح بعض معاملات الله ليس معها أفراداً بل مع أمتهِ المختارة إجمالاً أيضاً. صار جوع في الأرض الأمر الذي لم يكن ينتظر وقوعهُ في أرض كهذه؛ لأنها أرض الرب وعيناهُ عليها من أول السنة إلى آخرها فكانت أرضاً تفيض لبناً وعسلاً، ولكن بسبب خيانة الشعب جلب الرب عليها جوعاً شديداً حتى التزم أليمالك أن يهاجر وطنهُ ويتغرّب في أرض غريبة. ومعنى أليمالك: إلهي هو الملك، فكان من الأمور العجيبة أن هذه العائلة التي الله ملكها تقصد أراضي الغرباء لتجد القوت الضروري. وما هو سبب ذلك الضيق الشديد في أرض الرب؟ ليس هو إلاَّ خيانة شعب الرب كما تقدم.
ثم بعد إقامة هذه العائلة هناك مدة من الزمان، تراكمت عليها مصائب أخرى ولم يبقَ منها أخيراً إلا نعمي المترملة ومعها كنتاها الأجنبيتان، ثم سمعت وهي بعد في بلاد موآب أن الرب افتقد شعبهُ فقامت تقصد الرجوع إلى وطنها، وودّعت كنتيها بغاية المحبة، وأشارت عليهما أن تطلبا الراحة في وطنهما الخاص بين أهلهما، فرجعت الواحدة عن حماتها –أي عرفة- وأما الأخرى التي هي راعوث فلم ترجع عنها بل التصقت بها وصرَّحت لها أنها لا تفارقها حتى الموت ثم رجعت معها إلى أرض الرب. كانت في عرفة محبة شديدة لحماتها لكن المحبة الطبيعية مهما كانت قوية لا تقدر أن تحملها عَلَى مفارقة أهلها، وأما راعوث فكان فيها إيمان بإله إسرائيل وقصدت أن تستظلَّ تحت جناحيهِ فلم يخبْ انتظارها. الإيمان يحمل الإنسان عَلَى ترك أهلهِ وأوطانهِ. خرج إبراهيم بالإيمان تاركاً أهلهُ وأوطانهُ (عبرانيين 8:11و9) فعند دخولهما بيت لحم تحركت المدينة كلها «وقالوا: أَهذه نعمي؟ فقالت لهم: لا تدعوني نعمي، بل ادعوني مُرَّة؛ لأن القدير قد أمرَّني جدًّا، إني ذهبت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة، لماذا تدعونني نعمي والرب قد أذلَّني والقدير قد كسرني؟» (راعوث 19:1-21)
ومثلها مثل الأمَّة اليهودية نظراً إلى معاملات الرب معهم إذ فقدوا كل شيءٍ ولا يزالوا مشتتين في بلاد الغرباء، هؤلاءِ الذين الرب ملكهم أصبحوا بلا ملك وبلا كاهن ولهم الإهانة والذلّ بدل الشرف والإكرام كانوا أولاً ممتلئين وصاروا فارغين، التي كان اسمها نعمي صارت مرّة، ولكن ليس إلى الأبد. حسب الظاهر لم يبقَ أدنى أمل عند نعمي أنها تعود تحصل عَلَى الراحة وتفوز بشيءٍ من البركات التي كانت لها أولاً، ولكن الرب بارك أواخرها أكثر من أوائلها لأن طرقهُ ليست كطرق الإنسان ولا أفكارهُ كأفكارنا فإنهُ يختار الأشياء الضعيفة ليتمم بها مقاصدهُ العظيمة؛ لأنهُ لما كانت نعمي هذه قد فقدت الرجاء بإبقاء نسل أو اسم في الأرض وأقرّت بذلك، عاد الله وجدَّد بيتها في إسرائيل، لا بل صار منها بيت داود الذي مجدهُ لا يزول إلى الأبد، وهذا ما تمتاز بهِ معاملات الله مع البشر دائماً، أي أنهُ لا يحتاج إلى القوة البشرية لأجل إتمام مقاصدهِ بل يتخذ الآنية المكسرة الفارغة الضعيفة ثم يتمجد بها.
«وكان لنعمي ذو قرابة لرجلها جبار بأْس من عشيرة أليمالك اسمهُ بوعز» (راعوث 1:2) كان بوعز هذا ذو قرابة للرجل الذي الرب ملكهُ -أعني أليمالك- ومعنى بوعز: به القوة. نعم لم يبقَ شيءٌ من القوة في تلك العائلة الإسرائيلية المسكينة ولكن وُجد بعناية الله المحيطة بكل شيءٍ واحدٌ قادر أن يعينها، وإذا سُئل ماذا نقدر أن نستفيد من هذه الحوادث رمزياً؟ فالجواب سهل وقريب وهو أن بوعز هذا هو من أجداد المسيح حسب الجسد وهو رمز لائق إلى المسيح بالنظر إلى كونهِ ذا قرابة للأمَّة الإسرائيلية وقادراً أيضاً أن يأتيهم ببركة عظيمة بعد فقدانهم كل شيءٍ حسب الطبيعة، لأن بهِ القوّة ولما حضر بين إسرائيل كان قادراً أن يجمعهم كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولكنهم لم يريدوا فصار بيتهم متروكاً خراباً ولم تزل العائلة الإسرائيلية كلها متغربة إلى الآن، ولكنها ستقول فيما بعد: مبارك الآتي باسم الرب.
أما مضمون الإصحاح الثاني والثالث فلا حاجة أن نشرح عليهما بالتفصيل فقط نقول بالاختصار أننا نرى أولاً- عناية الله بنعمي وكنتها الأمينة وتقواهما الجميلة، وثانياً- أن بوعز كان إنساناً سالكاً بمخافة الرب وكان يعامل الجميع برفقٍ وحنوّ حتى تلك الموآبية الغريبة، ثالثاً-نرى أن الوسائط التي استعملتها نعمي لتذكّر بوعز بها بأنهُ ذو قرابة لعائلتها كانت غير اعتيادية ولكنها كانت جائزة لها نظراً إلى القرابة الكائنة بينهما وبين ذلك الرجل المقتدر المشهود لهُ من الجميع بحسن سلوكهِ، ولما كان قد أوصى فعلتهُ تلك الوصية المشددة بالاَّ يتعارضوا تلك الغريبة المسكينة التي لا معين لها لم تكن نعمي إذ ذاك خائفة أن ترسل كنتها إلى قريبها الغني لتذكّرهُ ولو بطريق غير اعتيادية بأنهُ مضطرٌّ أن يسأل عن واجباتهِ نحوهما كوليّهما فتذكَّر بوعز بذلك وشهد شهادة حسنة لتقوى راعوث وطهارتها وعفَّتها ووعد أنهُ لا يتأخر عن إتمام الأمر الواجب عليهِ.
ثم نرى في الإصحاح الرابع أن الشريعة وضعت مانعاً في طريق إجراء هذا المشروع، إذ كان رجل آخر أقرب من بوعز إلى عائلة أليمالك الذي ارتضى أولاً أن يفكَّ الميراث ولكنهُ امتنع لما عرف أن الذي يأخذ الميراث ينبغي أنهُ يأخذ كنة نعمي أيضاً، فالرجل امتنع قابلاً الإهانة المقضي بها عَلَى من لا يقوم بما ألزمتهُ بهِ الشريعة، «حينئذٍ قال بوعز للشيوخ ولجميع الشعب: أنتم شهود اليوم أني قد اشتريت كل ما لأليمالك وكل ما لكليون ومحلون من يد نعمي، وكذا راعوث الموآبية امرأَة محلون قد اشتريتها لي امرأَة لأقيم اسم الميت عَلَى ميراثهُ، ولا ينقرض اسم الميت من بين اخوتهِ ومن باب مكانهِ» (راعوث 9:4و10) تصرَّف بوعز بمخافة الرب فإنهُ عمل ما يجب عليه غير خائف أنهُ يفسد ميراثهُ الخاص بأخذهِ راعوث الغريبة الجنس. كذلك الآن أمر العائلة الإسرائيلية المترملة لا شك أنها فقدت ميراثها وأصبحت في الاحتياج الشديد إلى من يشفق عليها ويعينها، ولكن الشريعة قد وضعت مانعاً في طريق حصولها عَلَى البركة المرغوبة، ولكن مهما كانت الموانع عظيمة فالذي بهِ القوّة يقدر بحكمتهِ وقدرتهِ أن يزيلها جميعها ويتمم البركة لإسرائيل لكي لا ينقرض اسمهم. يوجد شعب وتوجد أرض أيضاً والمسيح المقتدر قوةً مزمع أن يفكَّ الميراث ويمتلك الشعب لذاتهِ، لا يأخذ الأرض بدون الشعب المختار ولا يمتلك الشعب بدون أرضهم الخاصة. إن نعمي التي ذهبت ممتلئة ورجعت فارغة، واتخذت اسم آخر أي مرة دلالة عَلَى حالتها المحزنة التعيسة هي عبارة عن أُمة إسرائيل حال كونهم تحت تأْديب الرب، وأما راعوث فهي أيضاً رمز إلى حالتهم ولكن بالنظر إلى أنهم الآن تحت الحكم بحسب القول "ليس شعبي" فإن الله قد رفضهم فصاروا بلا حقوق وبلا امتيازات، وعَلَى ذلك عندما يرجعهم الله بعنايتهِ إلى أرضهم يحتاجون إلى مساعدة قريبهم الذي سيباركهم رغماً عن جميع الموانع لأنهُ مزمع أن يعاملهم بموجب الرحمة العمومية المطلقة المتجهة الآن نحو الأمم. أنظر رسالة رومية الإصحاح 11.
«فقال جميع الشعب الذين في الباب والشيوخ: نحن شهود، فليجعل الرب المرأة الداخلة بيتك كراحيل وليئة اللتين بنتا بيت إسرائيل، فاصنع ببأس في أفرانة، وكن ذا اسم في بيت لحم، وليكن بيتك كبيت فارص الذي ولدتهُ ثامار ليهوذا من النسل الذي يعطيك الرب من هذه الفتاة» (راعوث 11:4و12) فماذا يكون اقتبالهم إلاَّ حياة من الأموات؟ (رومية 15:11).
صارت بركة بوعز بواسطة هذه المرأَة؛ لأن بوعز ولد عوبيد وعوبيد ولد يسى ويسى ولد داود (راعوث 21و22) .