موضوع: ساعة التجربة وسبيل النجاة منها الجزء العاشر الأربعاء أبريل 15, 2009 9:20 pm
وأنقياء القلب وحدهم هم الذين يستطيعون أن يعاينوا الله (متى 5: . وقديماً تساءل داود النبي قائلاً: "من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم في موضع قداسته؟"، ثم أجاب على ذلك بالقول: "الطاهر اليدين والنقي القلب" (مزمور 24: 4). ولذلك كان يصلي قائلاً: "قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (مزمور 15: 5).
فضلاً عن ذلك فإن أنقياء القلب وحدهم هم الذين يستطيعون أن يشهدوا في كل مجال نعمة الله في المسيح، مبرهنين على صدق فعاليتها في نفوسهم بصياغتها في قالب القداسة والتقوى والصلاح. والرسول بتحريضه إيانا على ملازمة أنقياء القلب في العبادة وغيرها، يضع حداً فاصلاً بين الذين يتظاهرون بالتقوى، وبين الأتقياء فعلاً. فكثيرين ممن يدعون أنهم مؤمنون، لهم صورة التقوى أو مظهرها، لكنهم ينكرون قوتها (2 تيموثاوس 3: 5). والحال أن للتقوى الصحيحة قوة فعالة تقوض داعم الخطيئة، وليس هذا فقط، بل وتسمو أيضاً بالنفس للسلوك بالقداسة مع الله والقيام بالأعمال الصالحة التي يتطلبها تعالى.
مما تقدم يتضح أنه يجب علينا أن نحرص على السلوك بالروح كما قلنا في فاتحة هذا الكتاب، وأن نثبت أنظارنا ليس في ما يرى، بل في ما لا يرى أو بالحري في من لا يرى، الذي هو رئيس الإيمان ومكمله يسوع (عبرانيين 12: 2). فنرى الأهواء قد بطل عجيجها، وزال طنينها، وأمحى خيالها، وأصبحت حياتنا بأسرها حياة الفرح والابتهاج، والنصرة على الخطيئة بكل أنواعها.
والرب العزيز المبارك هو القادر أن يحفظنا غير عاثرين، وأن يوقفنا أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الوحيد الحكيم مخلصنا، له المجد والعظمة والقدرة والسلطان، الآن وإلى كل الدهور، آميـن (يهوذا: 24). [1] درسنا هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب "فلسفة الغفران في المسيحية".
[2] "متبررين" أي صرتم أبرراً أو مستقيمين.
[3] فهو ليس برنا نحن الناتج من الأعمال الصالحة التي نقوم بها، بل بر الله التابع من نعمته التي لا حد لها. وهناك فرق شاسع بين البرين، فالأول ناقص لأننا مهما اجتهدنا لا نستطيع أن نعمل كل البر، أما الثاني فكامل لأنه من عمل الله القادر على كل شيء.
[4] كون هذا البر "إلى كل المؤمنين" معناه أنه موجه إلى قلوبهم لكي يطمئنوا ويهنئوا. وكونه "عليهم" معناه أنه كرداء يستر خطاياهم حتى لا يبدو منها شيء (أشعياء 61: 10).
[5] إن الرسول بقوله هذا، لا ينفي ضرورة قيام المؤمنين الحيفيين بالأعمال الصالحة (كما يظن بعض الجهال)، بل ينفي كونها كافية لخلاص الخطاة لأنه بالإضافة إلى تلوثها بنقائض متعددة بسبب صدورها منهم، فإنها، مهما كثرت، فهي محدودة في قدرها، بينما حقوق الله التي أساؤوا إليها بخطاياهم لا حد لقدرها. والأشياء المحدودة في قدرها لا تفي مطالب أمور لا حد لقدرها.
[6] ولذلك فهذا البر يختلف عن البر الذاتي، الذي ينسبه البعض إلى قدرتهم الذاتية، فيفتخرون به على غيرهم، ويظنون أنه على أساسه لهم فض خاص لدى الله.
[7] أما من يهمل منهم القيام بهذه الأعمال، فإنه يعرض نفسه لتأديب الله في الزمن الحاضر، وتأديب الله ليس بالأمر الهين (مزمور 39: 11).
[8] أما الإيمان الأسمى، وهو مجرد الاعتراف بالمسيحية بسبب الولادة من أبوين مسيحيين والإيمان العقلي، وهو مجرد فهم الحقائق المسيحية وإمكانية البرهنة على صدقها، والإيمان العاطفي، وهو مجرد السرور بالحقائق المذكورة والتغني بها – هذه الأنواع وحدها لا تهيء أصحابها للقبول أمام الله، لأن الذي يهيئهم لذلك هو التوبة الحقيقية والإيمان القلبي، إذ بهما يولدون من الله ويحصلون على طبيعته الأدبية.
[9] وطبعاً ليس خوفاً منهم بل عطفاً عليهم، وذلك تشبهاً بالله الذي يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار ويمطر على الصالحين والظالمين، وذلك يؤثر على قلوب الأشرار والظالمين ويصلح من شأنها.
[10] يفرق الساسة بين الصلح وبين السلام، فيقولون أن الغرض من السلام هو إيقاف الحرب، وأن الغرض من الصلح هو إعادة العلاقات الودية. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا طبقنا هذا القول على الحقائق المسيحية، فإنه بسبب السلام الذي يتمتع به المؤمنون الحقيقيون مع الله، لا يمكن أن يأتوا إلى الدينونة الأبدية (يوحنا 5: 24)، وبسبب الصلح الذي تم بينه وبينهم يمكنهم التمتع بكل بركة روحية في السماويات مع المسيح (أفسس 1: 3). 1- آيات عن القداسة: "أما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1 بطرس 2: 19). "وهذه هي إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا. أن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه (أو بالأحرى جسده) بكرامة. لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله" (1 تسالونيكي 4: 3).
"مكملين القداسة في خوف الله" (1 كورنثوس 7: 2).
"كأولاد الطاعة، لا تشاكلوا[2] شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب" كونوا قديسين لأني أنا قدوس. وإن كنتم تدعون أباً الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف" أو بالحري بحذر شديد (1 بطرس 1: 14- 18).
"واتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عبرانيين 12: 14).
"أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله[3]، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كورنثوس 3: 17).
2- آيات عن المحافظة على القلب والعين: "يا ابني أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي" (أمثال 23: 26). "لتنظر عيناك إلى قدامك" (أمثال 4: 25). "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. وإن كانت عينك شريرة، فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً، فالظلام كم يكون" (متى 6: 32- 33).
"إن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها وألقها عنك[4]. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم" (متى 5: 29).
"احفظ نفسك طاهراً" (1 تيموثاوس 4: 22).
"وفوق كل تحفظ، احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة" (أمثال 4: 13).
3- آيات عن موقفنا إزاء الأهواء: "اهربوا من الزنا. كل خطيئة يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده" (1 كورنثوس 6: 15- 19).
"أميتوا أعضائكم[5] التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الرديئة، الطمع الذي هو عبادة الأوثان[6]" (1 كورنثوس 3: 5).
"لأن الذين هم للمسيح، قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلاطية 5: 24).
"مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ، فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، أيمان ابن الله[7] الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" (غلاطية 2: 20).
"حاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غلاطية 6: 14).
"نحن الذين متنا[8] عن الخطية، كيف نعيش بعد فيها! عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه (أي مع المسيح) ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد للخطية، كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن إحياء لله بالمسيح يسوع ربنا. إذن لا تملكن الخطية في جسدكم المائت[9] لكي تطيعونها في شهواته. ولا تقدموا أعضائكم آلات أثم للخطية، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات، وأعضاءكم آلات بر لله" (رومية 2: 6- 13).
"فإن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كولوسي 3: 1- 2).
"كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير" (رومية 12: 6).
اطرحوا كل ثقة الخطيئة المحيطة بكم بسهولة" (عبرانيين 12: 1).
"عظوا أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يدعى اليوم، لكي لا يقسي أحد منكم بغرور الخطيئة" (عبرانيين 3: 13). إن الآيات السابقة موجهة إلى الجنسين معاً، غير أن الوحي عند حديثه عن النساء والفتيات، يقول عنهن بصفة خاصة أنه يجب أن يكن متعقلات عفيفات ملازمات بيوتهن صالحات... (تيطس 2: 5)، وأن يلاحظن سيرتهن الطاهرة بخوف، وأن لا تكون زينتهن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب، بل إنسان القلب الخفي[10] في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ[11] الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1 بطرس 3: 2-4). فلنعش إذن أيها الأعزاء، واضعين في نفوسنا في كل حين أن علاقتنا مع الأهواء قد انتهت (غلاطية 5: 24)، وأننا الآن مرتبطون بالمسيح في المجد كل الارتباط (أفسس 5: 30)، فنصبح من منأى من السقوط في الخطيئة بكل صورها وأنواعها.