موضوع: ساعة التجربة وسبيل النجاة منها الجزء التاسع الأربعاء أبريل 15, 2009 9:19 pm
ولما كان تيموثاؤس حاصلاً على البر الشرعي أو الإكتسابي مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فإن البر الذي كان الرسول يحرضه على القيام به، هو البر العملي أو بالحري الأعمال الصالحة. مثل: مد يد العون للفقراء والمعوزين، وتخفيف آلام المرضى والمتألمين، ومواساة الحزانى والمنكوبين، وإرشاد الجهال والضالين، والأخذ بناصر الضعفاء والمساكين، وتقديم رسالة الخلاص للخطأة البائسين. وهذه الأعمال فضلاً عن أنها تحوز رضى الله، فهي تسمو بنفوس المؤمنين وتجلب إليهم سروراً يفوق كل سرور، لأنهم بقيامهم بها يشاركون الله في محبته للبشر وعطفه عليهم واهتمامه بأمرهم – هذا مع العلم بأن البر الاكتسابي يجب أن يكون مقترناً بالبر العملي كل الاقتران، فليس هناك مؤمن حقيقي مبرر أمام الله، إلا وهو تحت الالتزام بالقيام بكل الأعمال الصالحة التي يستطيع القيام بها[7]. ثانياً – الإيمان والإيمان، الذي يريد الكتاب المقدس أن يتوافر فينا، نوعان: الأول هو الإيمان الحقيقي بالمسيح الذي به نولد من الله (1 يوحنا 5: 1)، ونحصل على طبيعته الأدبية (2 بطرس 1: 3- 4)، ونخلص أيضاً من قصاص خطايانا إلى الأبد. وقد أشار الرسول إليه في قوله: "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله" (أفسس 2: . وقوله "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك" (أعمال 16: 31). وقوله: "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" (رومية 10: 9). تعالى إلى الأبد. وقد ورد في القول: "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 1). والقول: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كلن في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم. لأنه جعل الذي لم يعرف خطيئة (وهو المسيح) خطيئة (أو بالحري ذبيحة خطيئة) لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه[10]" ( 2 كورنثوس 5: 19- 21). والثاني هو الإيمان الذي نسلك به في العالم، وقد أشار الرسول إليه في قوله: "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2 كورنثوس 5: 7). وقوله "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية، وأما التي لا ترى فأبدية" (2 كورنثوس 4: 18). وقوله: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عبرانيين 12: 2).
وهذا الإيمان من شأنه أن يحول أنظارنا عن الاهتمام بالأمور الأرضية الزائلة ويحصرها في الأمور الروحية التي يدوم أثرها إلى الأبد[8].
ولما كان لتيموثاوس إيمان الخلاص مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فالإيمان الذي كان الرسول يحرضه على إظهاره، هو إيمان السلوك الذي يحفظ النفس في علاقة حقيقية مع الله، ويعدها لخدمته وعمل مشيئته بقوة في العالم الحاضر – هذا مع العلم بأن إيمان الخلاص يجب أن يكون مقترناً بإيمان السلوك كل الاقتران، فليس هناك مؤمن حقيقي خلص بنعمة الله من قصاص الخطيئة، إلا وهو تحت التزام بأن يحيا بالإيمان مع الله كل أيامه على الأرض.
ثالثاً – المحبة والمحبة، التي يريد الكتاب المقدس أن نختبرها أو نمارسها أربعة أنواع: الأول هو محبة الله لنا ظهرت في تجسد المسيح وقيامه بفدائنا. وقد وردت في القول: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16). والقول: "في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله، بل هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1 يوحنا 4: 10). والقول: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله... ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أظهر (المسيح) نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يوحنا 3: 1) والثاني هو محبتنا نحن لله بسبب محبته لنا. وقد وردت في القول: "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً" (1 يوحنا 14: 19). والقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، ومن كل نفسك" (متى 22: 37). والمحبة لله لا يراد بها مجرد القيام بالصوم أو الصلاة أو تقديم بعض المال للفقراء. إذ من الجائز أن يقوم إنسان بهذه الأعمال دون أن تكون في قلبه محبة حقيقية لله، بل أن المراد بهذه المحبة، قبل كل شيء: السرور العميق في الشركة معه، والطاعة المستمرة له، والسلوك بالقداسة أمامه، والتضحية لأجل اسمه، والشوق الحار لتمجيد اسمه الكريم. والثالث هو محبة المؤمنين بعضهم للبعض الآخر. وقد وردت في القول: "ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة" (1 بطرس 4: . و"أحبوا بعضكم بعضاً من قلب طاهر بشدة" (1 بطرس 1: 22). و"وادين بعضكم بعضاً بالمحبة الأخوية" (رومية 12: 10). والرابع هو محبة لكل الناس، مهما كان موقفهم بالنسبة إلينا. وقد وردت في القول: "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم[9]" (متى 6: 44). والقول: "لتصر كل أموركم في محبة" (1 كورنثوس 13: 11) – والمحبة ليست عاطفة تظهر فقط في كلام طيب، بل وأيضاً في كل عمل طيب. فمن يحب الناس يعمل كل ما في وسعه لخيرهم، فيمد يد العون إليهم في كل ظرف من الظروف، دون أن ينتظر شكراً أو تقديراً.
ونظراً لأن تيموثاوس كان متمتعاً بمحبة الله له مثل باقي المؤمنين الحقيقيين، لذلك فإن المحبة التي كان الرسول يحرضه على إظهارها، هي المحبة لله وللمؤمنين ولكل الناس. والحق ما أسعد المؤمنين الذين تفيض قلوبهم بهذه المحبة. لأن البغضة والكراهية والرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر، والغيرة والحسد، والأنانية ومحبة الذات، بالإضافة إلى أنها تمنع المؤمنين من التوافق مع الله والقيام بخدمته، فإنها أقسى المعاول التي تهدم صرح السعادة والهناء فيهم. لذلك قيل عن المحبة أنها رباط الكمال (كولوسي 3: 14)، وأنها تكميل الناموس (رومية 13: 10)، وأنها أعظم الوصايا وأولها (مرقس 12: 28، 71) – هذا مع العلم بأن هذه الأنواع الأربعة من المحبة مرتبطة بعضها بالبعض الآخر، لأن المحبة لا تتجزأ، فالمؤمن الحقيقي الذي تمتع بمحبة الله وخلاصه الثمين، يجب أن يحب الله من كل قلبه، وأن يحب جميع المؤمنين الحقيقيين بشدة، وأن يحب أيضاً الذين يسيئون إليه، ذلك لأن الله، الذي نعبده، هو محبة (1 يو 4: ، وأن محبته قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس (رومية 5: 5)، وإذا كانت العين الواحدة لا تخرج مرة ماء عذباً ومرة ماء آسناً، كذلك فإن القلب الذي امتلأ بمحبة الله، لا يمكن إلا أن تصدر منه المحبة في كل ظرف من الظروف. رابعاً – السلام والسلام، الذي يريد الكتاب المقدس أن يتوافر لدينا، ثلاثة أنواع: الأول هو السلام لنا من الله على أساس كفاية كفارة المسيح، التي وفت مطالب عدالته
والثاني هو السلام بيننا وبين أنفسنا. وقد ورد في القول: "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة. لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غلاطية 5: 22). ولذلك فإن المؤمنين الحقيقيين يتلذذون في كثرة السلامة (مزمور 37: 11). أما الأشرار فلا نصيب له في هذا السلام (أشعياء 18: 12)، ومن ثم فإنهم يهربون ولا مطارد لهم (أمثال 28: 1).
والثالث هو السلام بيننا وبين الناس. وقد ورد في القول: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9). والقول: "عيشوا بالسلام" (2 كورنثوس 13: 11). والقول: "اتبعوا السلام مع الجميع" (عب 12: 14). والقول: "لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة... ليطلب السلام ويجد في إثره" (1 بطرس 3: 10- 11).
ونظراً لأن تيموثاوس كان متمتعاً بالسلام مع الله ومع نفسه هو، مثل غيره من المؤمنين الحقيقيين، لذلك فالسلام الذي كان الرسول يحرضه على اتباعه هو السلام مع الناس. والحياة مع الناس بسلام هي في الواقع الحياة الوحيدة التي نشعر فيها بالهناء وراحة البال وهدوء الأعصاب. كما أنها هي المجال الذي نستطيع فيه القيام بعبادة الله وتنفيذ وصاياه بسهولة. هذا مع العلم بأنه لا يستطيع أن يحيا في سلام مع الناس جميعاً إلا الذين يتمتعون بسلام بينهم وبين أنفسهم، ولا يستطيع أن يتمتع بهذا السلام تمتعاً حقيقياً، إلا الذين لهم أولاً سلام مع الله. خامساً – ملازمة أنقياء القلب إن الرسول يدعونا أن نتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الله من قلب نقي. والقلب النقي هو القلب الذي تفتح للمسيح فاخترقته محبته الفادية. وبالإيمان الحقيقي به، تطهر من خطاياه أمام الله (أعمال 15: 9)، وأصبح مسكناً للروح القدس (1 كورنثوس 6: 19). وبوجوده تحت تأثير كلمة الله في كل حين يظل طاهراً من كل الشوائب، وبالتبعية يظل في علاقة صافية مع الله.